... ويُكمل خليل عاصي، المسؤول الإعلامي في أبرشية الفرزل و​زحلة​ والبقاع، للروم الملكيين الكاثوليك، شرحه لزوار المتحف الملكي في زحلة، موجودات المتحف، وصولا إلى الأيقونة الذهبية التي تُجسد ثلاث مُناسبات دينية معا: الجُمعة العظيمة، والنُزول إلى الجحيم أي "سبت النور"، ومن ثم القيامة المجيدة من الموت!.

وفي المعرض أيضا أيقونات ترمُز إلى مراحل حياة السيد المسيح، ووالدة الإله العذراء مريم.

وتُختتم سلسلة الأيقونات المعروضة بـ "أيقونة الدَيْنونة"، وهي تُجسد إدانة الله بالعدل، كُل إنسان، بحسب أعماله...

لذا ففيها مَن كان مصيرهم جُهنَّم، وبئس المصير... وكذلك الأبرار، مِن ورَثَة الملكوت الذي أعده الله للصديقين منذ آلاف السنوات...

ويُكمل عاصي شرحه مُتوقفا هذه المرة، عند "مجموعة أدوات كنسية"، استُخدمَت في الذبيحة الإلهية: كاسات قربان، مباخر، شماعدين...

وفي وسط المكان، وُضعَت كأس ذهبية، هي هدية من إمبراطور النمسا، في العام 1860، مصنوعة من الذهب الخالص ومُرصعة بالأحجار الكريمة...

ومن ثم ينتقل عاصي للحديث عن "جوازي السفر الأصليين اللذين سافر بواسطتهما الكاهنان الشجاعان إلى أوروبا... والجوازان في نسختهما الأصلية!.

وللتذكير فإن رحلة الأبوين إلى أوروبا، في العام 1850، تكللت بلقاءاتهما أبرز الشخصيات التي ساهمت في رسم معالم أوروبا وكذلك العالَم.

كما وحظي الكاهنان بمُقابلة قداسة البابا بيوس التاسع، وحصلا على بركته الرسولية.

وكذلك، كانت لهُما محطة حاسمة في فيينا، قابلا خلالها الإمبراطور فرنسوا جويف، في 21 تشرين الأول 1850.

إستمع ""القيصر" إلى مطالبهما، وقدم إليهما تبرُعا سخيا، لبناء كنيسة ومدرسة.

وبالعودة إلى "المتحف الملكي"، وإلى جانب جوازَي السفر، ثمة تيجان مُرصعة، وأحدها مُقدم من إمبراطور النمسا، هدية إلى مطرانية زحله!. والتاج مُرصع بالأحجار الكريمة من الزوايا الأربع. وقد كتبت عليه أيقونات للقديسين مُرصعة بدورها بالذهب. وأما وزن التاج، فيُقارب العشرة كيلوغرامات. وإلى جانبه تاج أخضر روسي خفيف الوزن. وثمة تاج ثالث، هو للبطريرك غريغوريوس الثالث لحام.

وأما أثمن معروضات في المتحف، فهي كناية عن بدلة قداس، هدية أيضا من إمبراطور النمسا، وتعود إلى العام 1861.

البدلة مصنوعة من خُيوط الذهب، ومُرصعة بالأحجار الكريمة باللونين البُرتقالي والبُني، مع التاج والعصى الطويلة. هي تتميز برمزيتها: سنبلة القمح والكرمة (عنقود عنب)، إي سر الأفخارستيا (جسد المسيح ودمه). كما وترمز أيضا إلى مدينة زحلة (الكرمة).

غير أن التفنُن بصناعة البدلة، يتجلى في خُيوط الذهب من ناحية الظَهر... كما وإن وزنها حوالي أربعين كيلوغراما. وأما التاج فوزنه عشرة كيلوغرامات.

وبالعودة إلى الأيقونات، فإن أقدم واحدة تُمثل وجه السيد المسيح. إنها أيقونة روسية من القرن الخامس عشر. وفي الناحية نفسها، أيقونة تجمع 21 أيقونة صغيرة، وثمن كل سنتمتر واحد منها آلاف الدولارات.

ولكن شعاع القربان المُقدس، المُحتَفَل به في زحلة في خميس الجسد غاب عن واجهة العرض، لكون زيارتنا المتحف تزامنت مع الاحتفالات الزحلية بخميس الجسد...

وأما الأيقونات الكبيرة فقد كتبها – يقول عاصي – الأوكران والروس الذين كتبوا الأيقونات في الكاتدرائية أيضا...

وفي جانب آخر من المتحف، منحوتة محفورة باليد، وزنها حوالي 300 كيلوغرام.

وقد عُمل خلال يومين ونصف اليوم، وبإشراف مُهندسين، على تثبيتها على الجدار بسبب وزنها.

وتبقى الإشارة إلى أن بعض الأدوات المعروضة، يظهر عليه آثار الانفجار الذي تعرضت له مطرانية زحلة، في العام 1987، خلال ​الحرب اللبنانية​.

لقد كان المقصود في الانفجار، اغتيال إيلي حبيقة، بعد الانشقاق الذي حصل في صُفوف "القوات اللبنانية"، بسبب الخلاف على الاتفاق الثلاثي.

إنه اتفاق قصير الأمد، بين الفصائل اللبنانية الثلاثة المُتناحرة: "حركة أمل"، و"الحزب التقدُمي الاشتراكي" و"القُوات اللبنانية"، لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية.

غير أن القوات اللبنانية عادت وانقلبت على الاتفاق، كما وعلى مُوقعه من قبلها، إيلي حبيقة، الذي تعرض لمُحاولة اغتيال في مطرانية زحلة ولكن المحاولة قشلت، فيما يشهد بعض المعروضات في المتحف للانفجار الضخم في ذلك النهار.

ونستكمل جولتنا في أرجاء "المتحف الملكي" الزحلي، وتستوقفنا حتى الأدوات ذات الصلة بالتحضير للذبائح الروحية والصلوات خلال المُناسبات المسيحية، كـ "الهاون". إنه جرن معدني صغير، كان يُستخدم لطحن البخور، تحضيرا لاستخدامه في الاحتفالات والصلوات عُموما...

ومن ثم ننتقل إلى نوع آخر من المعروضات في المتحف: دخول السيد المسيح إلى الهيكل. ولكن الأيقونة محفورة هذه المرة على الشمع.

غير أن أكثر ما يُثير حيرة زُوار المتحف، أيقونة زيتية إلى جوار أيقونة الشمع، يظنها البعض للقديس شربل، وآخرون يعتقدون أنها عائدة إلى القديس مارون وغيرهم إلى مار أنطونيوس... ولكنها في الواقع للقديس الروسي نيدوس، الذي عاش في القرن الخامس عشر. وهي خير مثال عن الأيقونات الروسية في تلك الحقبة من الزمن.

بعدها اطَّلعنا على الأوسمة التي نالها المطارنة خلال تواجدهم في المطرانية، واللافت فيها وسام عليه العلم الفرنسي تتوسطُه الأرزة، ويرمز إلى دولة لبنان الكبير، وهو يعود إلى العام 1920.

في الختام عود إلى بدء، ومُجددا مع رحلة الأبوَين "الشجاعَين"، والطريق الذي سلكاه في رحلتهما الأوروبية، تحت عنوان: "من زحلة إلى أوروبا".

وقد أُنجز العمل بالاستناد إلى الرسائل والمُدونات المحفوظة في هذا المجال، وبالتعاون مع "جامعة الروح القدس" في الكسليك، حيث حُفظت أوراق صغيرة ذات صلة بالرحلة الأوروبية تلك.

وأما من تولى إنجاز هذا العمل التوثيقي الكبير، فهو شارل حايك الذي أغنى المتحف بخارطة تُظهر كُل محطات الرحلة... وللتمييز بين السفر بحرا أو برا، عبر عربات الخيل، فقد أُشير إلى الأُولى بالخط الأبيض الواصل بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول، والأمر سيان بالنسبة إلى التنقُل برا، إذ أُشير إليه باللون الأحمر. الانطلاق مثلا كان من زحلة إلى بيروت. ومن هُناك انطلق الأبوان إلى الاسكندرية بحرا. ومن ثم إلى جزيرة مالطا، فمَرساي الفرنسية. بعدها انتقلا إلى نابولي، فروما التي انطلقا برا منها إلى فينَّا، ومن ثم ميونيخ، وبعدها إلى فرنسا مجددا...

ويستطرد عاصي موضحا: إن أهمية هذه الرحلة كونها تأتي في اتجاه مُعاكس لما يُعرف برحلات المستشرقين الذين يعملون على اكتشاف عادات الشرق وتقاليده... فهذه الرحلة مُعاكسة، أي أنها تحت عنوان "المُستغربين" الناقلين الحضارة الغربية إلى الشرق.

هي تاريخ من التفاعُل الحضاري، جمعَته "عاصمة الكثلكة"، في مساحة قوامها 500 متر، تختصر الأحداث بفم إيماني يُحاكي العقل، للعبرة والاتعاظ... وللفخر أيضا!.